الجمعة، 29 نوفمبر 2024

المرأة والزمن _بقلم الأديب /ناجح صالح


 - المرأة والزمن –

كلما أمعنت النظر في المرآة أصابتها رعشة في بدنها , لقد تجاوزت الأربعين , وها هي وجلة خائفة مرتعبة .

زحف عليها الكبر ودخلت مرحلة الكهولة ومعها سن اليأس , يا للهول .. وقد كانت حريصة على ذلك الجمال الذي لم تتوقع أن ينطفيء يوما لكنه خبا الآن وتراجع أمام ضربات الزمن وساعاته التي لا تتوقف .

كل من جاء يطلب يدها رفضته وأغلقت الباب بوجهه لغير سبب معقول غير عابئة بما يقال .

قالت لها أمها بحزن وألم :

- أنت تهربين من الزواج كالهارب من النار .. ما قصتك ؟

فترد بهدوء :

- ان الزواج قيد وأنا أكره القيود .

- هذا قول لا معنى له .

- انها حياتي وأنا التي أتخذ قراري 

- ستندمين .

- لن أندم .

وحاول أبوها من جانبه أن يثنيها عما يدور في رأسها لكنها أغلقت أذنيها فلم تسمع .

كانت في حينها متألقة كوردة عطرة في بستان , تحلق في الأعالي مع شباب يفيض حيوية وجاذبية , ترتدي الثوب الذي يكشف محاسنها , وخصلات شعرها تلمع كالذهب .

كلما نظرت في المرآة ازدادت غرورا .. ما الذي تريد ؟ وما الذي تسعى اليه ؟ هل لديها ثمة عقدة من الرجال ؟ أم هي ترى أن لا رجل جدير بامتلاك هذا الجمال .

وكلما ردت رجلا يطرق بابها ازدادت خيلاء , ولم تكن من الغباء بحيث تتناسى مستقبل حياتها , بل تجاوزت الطموح نفسه بعد أن أكملت دراستها الجامعية بتفوق .

لقد كانت تفكر بغرابة وهي ترى في الزواج شراكة بين اثنين في كل شيء , وهي لا تريد الا أن تكون واحدا , واحدا فحسب , منطق قد يبدو غريبا لكنها آثرت أن تكون لها شخصيتها المستقلة , لا تخضع لأحد ولا يحكمها أحد ولا يمس جمالها أحد كنخلة باسقة لا يجني ثمارها أحد .

تسافر لوحدها وتلهو لوحدها وتفكر لوحدها , وتحلق في دنيا الأحلام لوحدها , ولم تدرك حينها بأن السنين ستعصف بجمالها وأفكارها وأحلامها , وتحيلها الى ذرات رماد باهتة , لم تدرك بأن السنين قاسية لا ترحم أحدا ولا تعفو أحدا , وأنها ستكون ثقيلة على أنفاسها .

وحينما تركض السنون متخطية كل الحواجز فانها ستقف عاجزة عن ايقاف مسيرتها ,وهي الآن تكاد تكون وحيدة , ليس معها سوى أمها العجوز المتعبة بعد رحيل أبيها ومفارقته للدنيا آسفا على مصيرها .

وكلما نظرت الى المرآة ارتدت على أعقابها , أحقا فارقها شبابها وفارقها جمالها ؟

وهي في حيرة , مضطربة لا يهدأ لها خاطر .. ما الذي يمكن أن تفعله بعد فوات الأوان ؟

ان شمسها آفلة لا محالة , وأن ضوء القمر قد تلاشى مع رحلته الأخيرة , وخريف العمر يدق ناقوسه من حولها .

لقد أخطأت خطأ فادحا حينما أصرت أن تكون عزباء لا يشاركها أحد رافضة فكرة الزواج بعناد غريب , وهاهي الآن تشكو الوحدة لا أنيس ولا رفيق , لو كان لها زوج ولو كان لها أولاد لكان لحياتها معنى آخر غير الذي هي عليه , لو أنها استقامت لها الفكرة كامرأة لها مشاعرها , كامرأة لها نبضات قلب , غير أنها تناست عامل الزمن وتلك هي مأساتها .

وألقت بنفسها أخيرا على السرير متسائلة :

- هل سيطرق الباب أحد ؟بقلم : ناجح  صالح 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حياد الروح بعد العاصفة _بقلم الأديب اليمني نجم الدين الرفاعي

حياد الروح بعد العاصفة الفقد ليس اختفاء أحدهم من مسرح الحياة… بل اختفاءك أنت من ذاتك بعده، دون أن تشعر. أن تستيقظ كل صباح في جسدك، لكنك لا ت...