الاثنين، 28 مارس 2022

شعرة عمي قاسم /القاص علي حداد

 شعرة عمي قاسم         قصة: علي حداد                                                                                             


الكلمة :        ولى زمان .. الشلم بلم..جاء زمان الترللي مثل شعبي                                   

 الاهداء:     الى الرجل الذي انقذ ظهر البعير من تلك القشة التي

              قسمت ظهره... قاسم حمودي حداد     

                                              


  في زمن العبث ..وفي زمن الجنون لابد من رجال يبعثون روح الجد في خضم هدا الطوفان واللامعقول  ليصير التوازن ويدخل مسامات الحضارة والمدنية ويتواصل خيط الحياة مع  البهجة وكان خالي قاسم  حمودي جواد يدفعك دائما الى الانبهار والتأمل في سلوكه اليومي وعمله اليومى ..وعشقه اليومي للحياة..هو شقيق لوالدتي ولكني محكوم مثل كل الناس الذين ينادونه ..ب عمي قاسم ..العامل والطبيب والمهندس وشرطي المرور . 

كان يحب عمله حد النخاع ويحب ادق تفاصيله...فمثلا هو حين يثبت لوحة على جدار الكل يترقب تراجعه مترين او اكثر  وينظر اليها من بعيد.. ويتساءل الجميع فقد ملوا الانتظار

_ تحتاج ان تزحف شعرة الى اليمين 

كما فعل مع التابوت الذي حمل جثمان والدي فقد رأيته يؤشر للسائق الذي كان يربط الجنازة انها تحتاج ان يزحف بها شعرة الى ناحية اليسار.. حين ذاك تنتشر على محاياه الطفولية فرحة  عجيبة وهو يضيف ..

_عاشت الايادي ..الان تمام

وقد ربى الجميع على قصص فيها المآثر والحكمة , كان متوسط القامة , بشوشا  ذا وجه  ابيض تكسوه الحمرة..ملامحه تريح العين وتسرها.. ترتسم على شفته شارب غريب اشبه بشارب والت دزني وتعم ذلك الوجه بهجه رائعة حين يستقبل ضيوفه  ويسمونه البغداديون..ملكاه حلو.. وكان يكرر دائما

- الضيف يأتي برزقه..  

دائما مايدفعك الى التساؤل والانبهار وهو يقول لعماله 

_ اعملوا بضمير .. على ان لايوجعكم فيما بعد

كان يعتز ويفتخر انه كان واحدا من ابناء الله , وكان دكتور بدر عبد المجيد قد قال ذات يوم 

_ لو كان مثله مليون شخص مليون شخص في كل بلد

ما كانت هناك من صراعات واطماع وحروب ولأستقرت

الحياة.. نعم ولاستقرت الحياة

 وكان في واحدة من محطات حياته احب تربية الدجاج فمنح وقته وروحه بالكامل لهذه الكائنات التي تعطيه ما امكنها من بيض وسعادة , احبها لانها منتجة ومتآلفة. كان يجلس في حديقته على مقعده ويراقبهم ساعات طويلة و برقة ...فعمل على رعايتهم وبنى لهم قفص  جميل ومنح لهم الكثير من روحه ووقته الذي كان مزدحما بزيارة المرضى .. والاعراس ..والمآتم والطهور وطلبات بناته واولاده..واحفاده الصغار الذين كانوا  يتشبثون باذيال سترته  وهو يتبضع لهم أنواع الحلوى  والملاعيب..وكان يسير في وسطهم فرحا كأنه يراهم  قادة للمستقبل ..لم اره يوما منزعجا  ليلا اونهارا..واحيانا انا انزعج لطيبته التي تصل حد السذاجة.علما انه  كان مثقفا  وواعيا وشاعرا وملما بكل ما يجري من احداث تدور من حوله وكان كثير القراءة حين يجلس في وسط  حديقته الكبيرة ويضع ساقا فوق ساق مسترخيا منتشيا والغريب انه حتى عندما ينام يضع ساقا فوق ساق ايضا..

كان شارع غازي بطوله وعرضه يعرفون عمي قاسم ..يعرفون طيبته وقلبه الابيض مثل الثلج وحين سرقه احد عماله قال بعفوية 

_ إستروا عليه فالله يحب الساترين ربما كان محتاجا

ويستحي ان يطلب المعونة

وبعد سقوط صدام حسين  عم العراق هرج ومرج .. وسرقة .. وقتل.. ونهب للمصارف والمحلات العامة ومؤسسات الدولة واغتصابها ..  والرصاص المتطاير الذي اصاب البشر.. والبنايات.. والشجر.. والجثث التي انتشرت في الشوارع.. وجثث الحيوانات  التي ماتت من الجوع ..قطط وكلاب امتلات بها الشوارع والساحات العامة وعلى ضفاف الانهر.. موت منتشر كالذباب يقف عمي قاسم مذهولا امام شاشة التلفاز وقلبه يقطر دما بعيون يلعب فيها الدمع ..ربما كنت واحدا من الذين يعرفون ماذا يقول في اعماقه وهو يعيش زمان الترللي هذا

_ اهكذا يلوك بعضنا  بعضا ؟؟؟

كلنا سمعنا وقرأنا عن تدهور الحضارات لكني احسه الان  يعيش هذا المخاض العسير.. يعشه بكل تفاصيله الدقيقة المريرة ..وكان يرتعد ويرتجف  لهذه البربرية .. ولهذا اللامعقول الذي يراه بام عينيه كنت اعرف هذا العم الذي لم يوجعه ضميره ابدا .. بل ألآمه واوجاعه بسبب موت ضمير الآخرين,وقساوتهم.. ووحشيتهم ..وانيابهم الملوثة بدماء أبناء جلدتهم .

عمي قاسم حين يخلد الى نفسه اخاف عليه , اخشى عليه من نفسه ومما يراه من هذا الزمن القاسي.. ومما كان يسمعه..فذات  مساء وحين كان يستقل حافلة نقل الركاب سمع امرأة  توبخ نفسها وهي تلطم وجهها بعنف

<< أهمداي المبكت سويت الناس إلباكت >>

كاد ان يتوقف قلبه حينداك .. ترجل من الحافلة قبل ان يصل الى البيت ..ولفه غروب موحش مظلل.. لهذا.. ولهذا كله كنت أخاف عليه من نفسه ومن الآخرين الذين شوهههم سقوط مفاهيمهم ..وقيمهم ..ونبلهم 

واذا هيأ لك ان ترى  رجلا متوسط القامة  وبشارب  غريب  وفي الساعة الثالثة صباحا وهو يحتضن ما تبقى من ريش دجاجاته وعظامها التي مزقتها الكلاب الجائعة وهو يبكي مثل طفل  فما رأيت  هو عمي قاسم حمودي  جواد....

وفي العام 2017 توفي الرجل الذي تحدث عنه دكتور بدر عبد المجيد .. مات المليون شخص.. فعليهم  السلام يوم ولدوا  ويوم ماتوا  ويوم يبعثون  أحياءا  من جديد اعماما لعراق..يربي فيه الواحد منا افراخ دجاج وبلا ...قفص

                                                                         

                                                                                بغداد16/8/ كلاب شبعانة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لسنا صغار على الحب _بقلم الشاعرة اللبنانية /ريتا كاسوحة

لسنا صغار على الحب   من  الروح للروح  إطمئن يا قلبي  لاتقلق  لن يموت الحب فيك  مهما بلغت من العمر  فالحب ليس له عمراٌ أو كلمات تكتب او تق...