الخميس، 4 ديسمبر 2025

غزالة كوينين _بقلم الأديبة /ابتسام نصر الصالح


قصة قصيرة 

بعنوان:( غزالة كوينين)


وصلت ريمة من حقل القمح تحمل بحضنها حزمة كبيرة من قصل سنابل الحنطة؛ وضعتها بجانب مجموعة كبيرة من حزم مشابهة لها في غرفة خاصة من البيت يطلقون عليها بيت المونة. وتوجهت صوب زاوية من أرض الدار الكبيرة حيث جدتها تخبز  على التنور 

قائلة : " مرحبا ستي . هل ستعلميني اليوم كيف أجدل قصل سنابل الحنطة؟ لقد جمعت حزما كثيرة منها وها قد انتهى موسم الحصاد؛  وأنا متشوقة لأعمل طبقا أفخر به أمام صديقاتي في القرية. "

ضحكت الجدة قائلة:"أهلين وسهلين ريمة حبيبتي،  صرت صبية كبيرة وصار يجب أن تتعلمي كيف تغزلين قصل الحنطة غرزة غرزة ، طبعا سأعلمك ولكن لكل أمر وقته المناسب." 

سألتها ريمة بلهفة:" ومتى الوقت المناسب يا ستي؟" 

ابتسمت الجدة قائلة:" في السهرة اجيبك على سؤالك " 

ابتسمت ريمة قائلة:" شكرا لك ستي؛ سأذهب الآن لأملأ الجرة من البئر ." 

مساء اجتمعت العائلة في غرفة الجدة؛ عملت ريمة  إبريق شاي كبير ووزعت الكؤوس الشاي الصغيرة على الجميع. توجهت أنظار ريمة إلى جدتها تحثها على الكلام . 

قالت الجدة:" اليوم سألتني ريمة متى سأعلمها كيف تغزل قصل سنابل الحنطة؟ ووعدتها أن أخبرها في السهرة. ولهذا سأحكي لكم الآن حكاية فيها الإجابة على هذا السؤال." 

هلل الجميع سعداء:" هيا يا جدتي؛ أجل يا أمي مشتاقون لحكاياتك، هيا كلنا بشوق لسماعك " 

وصمت الجميع، وبدأت الجدة تروي حكايتها قائلة:

(كان يا ما كان في قديم الزمان .

تعرت الأشجار من أوراقها؛ عدا أشجار الزيتون والسرو والصنوبر بقيت ملتحفة ثوبها الأخضر تعلن للخريف أنها لن تهادن رياحه وبرده وأمطاره؛ كما لم تتخاذل لثلوج الشتاء وصقيعه وعواصفه وصواعقه. 

وحدهم القرويون كان لهم مع الخريف قصص وحكايات ترويها الجدات للحفيدات والأحفاد في سهرات ليس للكسل فيها عنوان. وهناك في إحدى القرى كانت امرأة تعيش مع زوجها وأمه وأبنائها في بيت كبير.

لكن هذه المرأة كانت متقاعسة ومتكبرة، ولا تقوم بأي عمل إلا بعد أن يطلب منها زوجها أو حماتها.  ولا تأخذ بالنصيحة، وتؤجل العمل إلى الوقت الذي يحلو لها. حل شهر تشرين الأول، فقالت الحماة لكنتها:" هيا يابنتي جهزي ما عندك من قصل القمح ومن شرانق الحرير لتبدئي الغزل في السهرات، وأنا سوف أساعدك، فقد حان الوقت المناسب." 

أجابتها كنتها متذاكية عليها وهي تنظر لها متعجرفة :" تكرمي يا زوجة عمي. أنا سأبدأ غزل قصل الحنطة وأحل شرانق الحرير وأغزله ولكن حين أجد لدي وقتا كافيا لذلك." 

ومر شهر تشرين الأول وجاء تشرين الثاني ومضى كذلك.  لكن الكنة لم تقم بتحضير قصل الحنطة ولا حلت شرانق الحرير.

جاء شهر كانون الأول وأخذت الرياح تعصف واشتد البرد وصار الثلج يتراكم على الأبواب؛ وإذا بالكنة بدأت في السهرة بحل شرانق الحرير.

 وانتهت السهرة بسرعة ولم تلحق أن تعمل إلا الشيء القليل فقالت  :" لقد نعست أريد الذهاب للنوم، لا أدري لماذا يجري الوقت بسرعة ويطير!!! " 

سألتها حماتها:" يا غزالة كوينين شو قصرك عن ليالي تشيرين؟" 

أجابتها الكنة:" ماذا قلت يازوجة عمي؟!!! أرجوك وضحي لي لم أفهم سؤالك." 

قالت حماتها:" اسمعي يابنتي؛ حين هل علينا شهر تشرين الأول نصحتك أن تبدئي بتحضير مايلزمك لتغرزي قصل الحنطة وتغزلي خيوط الحرير؛ ولكنك لم تأخذين بنصيحتي. 

ومعنى ما قلته لك أن ليالي شهري تشرين الأول وتشرين الثاني هي أطول ليالي السنة كلها. 

لذلك فإن الغزالة المتقاعسة عن عملها في هذين الشهرين يضرب بها المثل لأنها حين يأتي شهر كانون وتبدأ عملها لا يمكنها أن تنجز في سهراته ما تراكم عندها من عمل لأن ليالي كانون الأول وكانون الثاني هي من أقصر الليالي." 

انتهت حكايتي فما رأيكم وهل اعجبتكم.؟)

هلل الجميع:" يسلم تمك، حكاية جميلة." 

 أما ريمة فقد نهضت صوب جدتها واحتضنتها وقبلت يديها ورأسها قائلة:" شكرا لك يا ستي، فهمت الحكاية ووصلني الجواب على سؤالي وموعدنا في تشرين مع أجمل السهرات، تعلميني خلالها كيف اغرز من قصل الحنطة الأطباق وأنت تقصين علينا أجمل الحكايات." 


***  تنويه للأمانة : ( يا غزالة كوينين شو قصرك عن ليالي تشيرين ) هذا مثل قديم يتدواله الناس عن الأجداد القدماء  في سورية . وأنا بنيت قصتي على المثل. 

والله يرحم أجدادنا كم كانوا حكماء . وقد سمعت حكاية هذا المثل من أمي رحمها الله وبقي في ذاكرتي. 

*****

 بقلم: ابتسام نصر الصالح  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حياد الروح بعد العاصفة _بقلم الأديب اليمني نجم الدين الرفاعي

حياد الروح بعد العاصفة الفقد ليس اختفاء أحدهم من مسرح الحياة… بل اختفاءك أنت من ذاتك بعده، دون أن تشعر. أن تستيقظ كل صباح في جسدك، لكنك لا ت...