الأحد، 8 ديسمبر 2024

غبار طلع القرنفل _بقلم الأديبة السورية / ابتسام صالح


 قصة قصيرة 

بعنوان :غبار طلع القرنفل 

                                ********

حفرت حفرة صغيرة، أخذت تلتقط حجرا وراء حجر من بيتها المدمر إثر الغارة الأخيرة على موقع بيتها . صنعت موقدا للنار، دخلت تحت الشادر الذي أصبح مأواهم منذ زمن لم تعد تعد  أيامه، خرجت من المأوى وفي يديها بضعة أخشاب كانت قد خبأتها خوفا من مطر مفاجئ ، وضعت الأخشاب بجانب الموقد وجلست بانتظار عودة ابنها البكر الذي أصبح في عامه الثامن. أطفالها الصغار الثلاث بنت وولدان مازالوا نياما. عادت بها الذاكرة إلى قبل استشهاد زوجها، حين دار بينهما حوار ما تزال تستعيده كشريط التصق بروحها ولم يعد يغادرها:

-يا أبا البشارة لماذا ترفض أن أساعدك في العمل أنت تذهب إلى عملك من الفجر ولا تعود إلى البيت حتى غروب الشمس ؟

- وماذا ستعملين ؟ ألا يكفيك عنايتك بالبيت والأطفال؟! والله هذا يعادل عملي وأكثر وانت لا تقصرين أبدا بالاهتمام حتى بالعائلات المجاورة التي تحتاج مساعدة وهذا كله عمل عظيم وهو في ميزان حسناتك يا أم البشارة . 

- اليوم يا أبا البشارة لا أعرف أحسست انه يجب أن أفعل شيئا مهما لغzة ، شعرت انني لا أقدم شيئا مقابل تعبك في العمل وعملك مع قوى الإسناد لرجال الحق.

- يا غالية ، أتعرفين أنت وكل امرأة في غzة تلد طفلا فأنتن تقدمن عظيم العطاء ليس لغzة فقط بل لفلسطين كلها .

- كيف ذلك يا أبا البشارة، انا أراه أمرا عاديا فكل أم تنجب أطفالا في أي مكان من  العالم ؟

- لا يا غالية، أمهات غzة ينجبن ويقاومن الموت من أجل أن يبقى الشعب الفلسطيني، ألا ترين الغارات التي تبيد الشعب، لكن كل أم تنجب طفلا وهي تعلم أنها ممكن في أي لحظة أن تضرب بيتها غارة تقتله وممكن أن تبقى على قيد الحياة ووقتها ستجد نفسها تحمل أشلاءه او جثمانه دون كفن ، هذا والله أمر لا يتحمله مخلوق لكن أمهات غzة مازلن ينجبن الأطفال لتبقى غzة على قيد الحياة ومهما قتل مرتزقة الكيان من أهلنا، أنتن الإسناد وكل طفل أنجبته انت وأي أم  هو مشروع عائلة جديدة لاستمرار الحياة وهذا أمر عظيم لا يفهمه إلا نحن من نعيش واقعا لا يمكن لإنسان أن يشعر بقسوته إلا من بقي هنا ومن يقاوم والأسرى  لدى الكيان.

- فهمت يا غالي، كلامك تاج على رأسي. 

وانتفضت وكأنها كانت في حلم على صوت انفجار ضخم دوى في رأسها، وعادت بها الذاكرة لذلك اليوم المشؤوم حين ضربت القنابل منطقتها وزوجها كان في عمله، دمرت الغارة بيتها، ومن لطف الله أنها بقيت وأطفالها على قيد الحياة تحت ركام البيت،  حيث قامت مجموعة من الرجال  بإنقاذهم .

أيقظها من شرودها طفلها بشارة: أمي أمي، ما بك أمي ? هل انت بخير ؟ 

- أنا بخير يا بني لا تخف فقط كنت قد سهوت فأخذني النعاس  قليلا. 

- هذا هو الوعاء الذي أعطيتني إياه ملأه لي موزع الطعام أرزا مطبوخا ولكن قال لي أن أخبرك أن الأرز مطهو بالماء فقط فليس لديهم ملح ولا بهارات ولا زيت، وهو بارد يا أمي، لأنهم طبخوه في الفجر ليتمكنوا من توزيعه على الناس  .

- أعرف يا بني، الحمد لله على كل حال،  الله يكثر خيرهم من يطبخون  ليطعموا الناس، أنا جهزت الموقد سأحضر حساء من الماء والزعتر الأخضر الذي حوشته من الأرض نعمة من الله ولدي ملح وقليل من الزيت وبعدها أضيف عليه الأرز وأتركه يغلي على النار حتى يصبح لدينا حساء الأرز اللذيذ والساخن. 

- كم أنت ذكية يا أمي 

-يا روح أمك كل أم في غzة تعمل من أجل أولادها كل ما تستطيع والحمد لله الذي يعطينا القوة والصبر .

وأمسكت بخشبة من جانب الموقد وإذا بصوت ابنها يقول : أمي ماذا ستعملين ؟ !

- بني سأضع الخشبة في الموقد لأشعل نارا من أجل طهي الحساء كما حكيت لك الآن هل نسيت يا حبيبي؟

- لا أمي لم أنس ولكن هذه التي بيدك ليست خشبة

- ما هي إن لم تكن خشبة؟

-،هذه عصا الsنوار يا أمي 

- وما حاجتك بها بني؟

- سأقتل بها الدرون، والدبابة  إذا هاجمتنا كما فعل الsنوار 

- لكن الدرون هي من قتلت الsنوار 

- لا يا أمي الsنوار ضرب الدرون بعصاه فانفجرت وسقطت عليه فمات، يعني هو قتلها قبل أن تقتله 

- ومن أين لك بهذه المعلومات ؟

- أمي، أنا ورفاقي نجتمع معا عندما نكون منتظرين دورنا في توزيع الطعام، فكل واحد يحكي لنا ما وصلهم من أخبار من مراسلي المحطات الفضائية، وهكذا صارت الأخبار والتفاصيل تصلنا من واحد لآخر. 

- ما شاء الله عليكم تجتمعون وتهتمون بالتفاصيل والأخبار، كبرت يا بشارة، الله يبارك بك بني 

 خذ عصا الsنوار. ولكن قل لي من هو الsنوار يا بني ؟

- الsنوار يا أمي هو أبو إبراهيم، واسمه الكامل يحيى* ابراهيم ولقبه*  الsنوار، كان يقاوم مرتزقة *الكيان*  طوال عمره ووقع أسيرا لدى الكيان وطوال مدة أسره لم يخضع لهم وبقي صامدا وكتب رواية اسمها الشوك والقرنفل وبعد أن فك أسره عاد لمواجهة مرتزقة  * بني*صهيون* وآخر الأمر أصيب إصابة بليغة بيده اليمنى فألقى آخر* قنبلة كانت معه على** دبابة *  ودخل لاقرب منزل مدمر وجلس على كرسي وذراعه تقطر* دما وجراحه *تنزف، ارسل اليه خنازير* بني* صهيون * درون (يعني طائرة مسيرة يا امي) وحين دخلت عليه لم يخف ولم يستسلم رغم انه يعرف تماما انها* ستقتله* ولكن أراد أن يرسل رسالة مهمة لنا جميعا أن لا تستسلموا * للكيان* ولا تستسلموا للخوف وقاوموا حتى آخر نفس لديكم، فمسك بأقرب قطعة خشب إليه وضرب بها* الدرون*  وقتلها* فانفجرت* بعد أن صورته وهو *يهاجمها *ويضربها، وصورته وهو يموت وصلت الصور * للكيان*  الذي انتفش بغطرسته وشعر بالطمأنينة أن الsنوار قد مات ظنا منه انه صار في مأمن.  ووصلت الرسالة إلينا جميعا وصارت عصا الsنوار هي * سلاح * جديد في حوزة كل واحد منا لا يملك أي سلاح آخر وهكذا لم يعد لدينا حجة للاستسلام أو الخضوع، بل صرنا أقوياء*  بسلاح * فعال هو في متناول أيدينا نحن أطفال غzة . وكلما اجتمعنا من وقتها نتدرب على استخدام*  عصا*  الsنوار .

-ما شاء الله عليكم يا بني أنت ورفاقك كبرتم بسرعة وأنتم بعمر الزهور .

- صحيح يا أمي،  هل تعرفين ماذا كان يقصد الsنوار بعنوان روايته الشوك والقرنفل ؟

- أعرف يا بني، أنتم القرنفل، أنت ورفاقك،  أما بني *صهيون *فهم الشوك، وعندما رفع السنوار عصاه لم يكن يدافع عن نفسه بل كان يهش بها على الدرون ليبعدها عن زهور  القرنفل التي كان يراها أمام ناظريه تملأ المكان وحين حرك عصاه لامست الزهور قبل أن تضرب الدرون فتطاير من الزهور غبار طلع القرنفل وملأ المكان وهبت رياح * الطوفان * وحملته إلى أشجار الزيتون حيث ستزهر برائحة القرنفل ذات يوم. أما الشوك فسوف يأتي يوم وتحرقه نيران كانت تحرق قلوبنا نحن أمهات غzة ولن يبقى * لبني *صهيون* أثر في فلسطين. 

اذهب الآن يا حبيبي وتفقد أخوتك .

ثم أخذت قطعة خشب أخرى ووضعتها في الموقد، أشعلت النار وتابعت عملها حتى جهز حساء الأرز. فأرسلت ابنها إلى شادر الجيران حيث أطفال *استشهد* والديهم قائلة :

- يا بشارة اذهب إلى شادر جيراننا وقل لهم أمي تريدكم تعالوا جميعا 

- أمي لماذا لا ترسلين لهم حصتهم من الطعام ؟

- يا بني إن  أرسلت لهم الطعام سيبرد بينما يصل إليهم والحصة ستكون ليست كبيرة ولكن إذا أتوا إلى هنا سنجتمع كلنا ونأكل الحساء ساخنا ومعه الخبز سيأكل الجميع معا ويشعرون أنهم مع عائلتهم بوجودهم معنا .

- حاضر أمي فهمت. 

ما أن ذهب بشارة حتى أخذت تحضر مكان جلوس للجميع على قطعة قماش مدتها ووضعت في وسطها وعاء كبيرا وملاعق وخبز . 

نادت على أطفالها في الشادر تعالوا لتناول الطعام، وصل بشارة واطفال الجيران وجلسوا جميعا حول وعاء الطعام سكبت أم بشارة الحساء ووزعت الخبز بالتساوي بين الأطفال جميعا وابتسمت وهي تراهم يتناولون حساء ساخنا قائلة لنفسها: الله يرحمك يا أبا البشارة.

 ابتسام نصر الصالح

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لسنا صغار على الحب _بقلم الشاعرة اللبنانية /ريتا كاسوحة

لسنا صغار على الحب   من  الروح للروح  إطمئن يا قلبي  لاتقلق  لن يموت الحب فيك  مهما بلغت من العمر  فالحب ليس له عمراٌ أو كلمات تكتب او تق...