الثلاثاء، 23 يوليو 2024

أيها الحزن _بقلم الشاعر السوري /فؤاد زاديكى


أيُّها الحُزنُ


بقلم: فؤاد زاديكى


أيُّهَا الحُزْنُ الثَّقيلُ، المُتْعِبُ، يَا مَنْ تَتَطَلَّعُ إِلَى اِقْتِحَامِ جِدَارِ قُلُوبِنَا، كَيْ تَخْتَرِقَهَا، فَتَسْكُنَ فِيهَا، مُفْرِزًا مَا يَحْلُو لَكَ مِنْ مُفرْزَاتِ الْهَمِّ وَ النَّكَدِ، يُرَافِقُها حَالُ الشُّعُورِ بِالاِكْتِئَابِ وَ الإِحْبَاطِ. اِرْحَلْ عَنْ عَالَمِ أَصْحَابِ الْقُلُوبِ الضَّعِيفَةِ، فَهُمْ غَيْرُ قَادِرِينَ عَلَى الْعَيْشِ فِيمَا هَيَّأْتَهُ لَهُمْ مِنْ مَوَاجِعِ الأَلَمِ وَ الْحَيْرَةِ وَ الْخَوْفِ وَ الْقَلَقِ.


إِنَّكَ تَسْتَغِلُّ لَحَظَاتِ الضَّعْفِ وَ الْوَهَنِ لِتَغْرِسَ أَنْيَابَكَ فِي أَعْمَاقِ نُفُوسِنَا، وَ تَحْرِمَنَا مِنَ السَّكِينَةِ وَ الرَّاحَةِ. فَمَا أَشَدَّ بَطْشَكَ عَلَى أُولَئِكَ الَّذِينَ تَاهُوا فِي دَرُوبِ الأَحْزَانِ، وَ تَلاَطَمَتْ بِهِمْ أَمْوَاجُ الكَآبَةِ. يَا مَنْ جَعَلْتَ مِنَ الظَّلَامِ مَلْجَأً لَكَ، وَ مِنَ الصَّمْتِ نَطِيقًا، اِذْهَبْ وَ اتَرَكْنَا نَلْتَمِسُ النُّورَ وَ نَسْتَشْعِرُ الدِّفْءَ فِي أَحْضَانِ الأَمَلِ.


أَمَا آنَ لَكَ أَنْ تَرْحَلَ عَنْ دُنْيَانَا، وَ تُعْطِيَنَا الفُرْصَةَ لِنُضَمِّدَ جِرَاحَنَا وَ نُعِيدَ لِلْقُلُوبِ نَبَضَهَا؟ فَإِنَّنَا نَرْغَبُ فِي أَنْ نَسْتَفِيقَ مَعَ إِشْرَاقَةِ كُلِّ صَبَاحٍ عَلَى أَمَلٍ جَدِيدٍ، وَ نَتَنَفَّسَ عَبِيرَ الحَيَاةِ دُونَ أَنْ يُثَقِّلَنَا حِمْلُ الأَحْزَانِ.


لَقَدْ أَضْحَى حُزْنُكَ وَبَالًا عَلَى أَرْوَاحِنَا، تَسْتَنْزِفُ قُوَّتَنَا وَ تُبَدِّدُ أَحْلاَمَنَا. فَكَفَى يَا حُزْنُ، كُنَّا نَرْغَبُ فِي أَنْ نُبَحِرَ فِي بَحْرِ السَّعَادَةِ وَ نَسْتَمْتِعَ بِكُلِّ لَحْظَةٍ مِنْ حَيَاتِنَا دُونَ قُيُودٍ. إِنَّنَا نُرِيدُ أَنْ نَحْيَا بِلَا أَسْرِ الأَحْزَانِ وَزبِلَا غِيَاهِبِ الْقَلَقِ الَّذِي يُرَاوِدُنَا فِي كُلِّ لَيْلَةٍ.


لَعَلَّ قُلُوبَنَا تَتَعَافَى مِنْ جِرَاحِهَا، وَ تَحْتَضِنُ بَرَائَةَ الطُّفُولَةِ وَ طُمَأْنِينَةَ النَّفْسِ. إِنَّنَا نَسْعَى لِلْفَرَحِ كَمَا تَسْعَى الأَزْهَارُ لِلضِّيَاءِ، فَاتْرُكْنَا وَ شَأْنَنَا، يَا مَنْ أَثْقَلَتْنَا بِهِمُومِكَ.


اِنْسَحِبْ مِنْ عَالَمِنَا، وَ اتْرُكْنَا نَبْنِي حَيَاةً مِلْؤُهَا الأَمَلُ وَ التَّفَاؤُلُ. دَعْنَا نَنْتَشِلُ أَنْفُسَنَا مِنْ بَرَاثِنِ الأَسَى، وَ نَحْلُمُ بِمُسْتَقْبَلٍ أَجْمَلَ، فَإِنَّنَا قَدْ سَئِمْنَا سُقُوطَكَ عَلَى صُدُورِنَا.


وَ مَعَ كُلِّ ذَلِكَ، نَعْلَمُ أَنَّ لِلأَحْزَانِ دَوْرًا فِي تَشْكِيلِ مَعَالِمِ نُفُوسِنَا، وَ لَكِنَّنَا نَأْمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ دَوْرًا عَابِرًا، لئلّا يُسَيْطِرَ عَلَى كُلِّ جَوَانِبِ حَيَاتِنَا. فَارْحَلْ، يَا حُزْنُ، وَ أَعْطِنَا الْفُرْصَةَ لِنَجِدَ السَّعَادَةَ فِي أَبْسَطِ الأُمُورِ، وَ نَكُونَ قَادِرِينَ عَلَى الاِبْتِسَامِ فِي وَجْهِ الحَيَاةِ.


أَيْنَمَا ذَهَبْنَا، نَرَى آثَارَكَ بَاقِيَةً فِي زَوَايَا النُّفُوسِ، وَ لَكِنْ نَعْمَلُ بِكُلِّ قُوَّتِنَا لِنُطَهِّرَ قُلُوبَنَا وَ نُنِيرَهَا بِبَصَائِرِ الأَمَلِ وَ الْحَيَاةِ. فَكُنْ رَحِيمًا يَا حُزْنُ، وَ دَعْنَا نَنْعَمُ بِلَحَظَاتٍ مِنَ الطُّمَأْنِينَةِ وَ السَّكِينَةِ، وَ تَعَالَى عَلَى أَسْوَارِ الْقَلْبِ لِنَكُونَ أَحْرَارًا مِنْ قُيُودِكَ.


كُنَّا وَ ماَ نَزَالُ نَحْلُمُ بِعَالَمٍ خَالٍ مِنْ أَثْقَالِكَ، حَيْثُ تَكُونُ السَّعَادَةُ فِيهِ مِلَاذًا نَلْجَأُ إِلَيْهِ وَ حُلُمًا نَسْعَى لِتَحْقِيقِهِ. فَلاَ تَحْرِمْنَا، يَا حُزْنُ، مِنْ فُرْصَةِ الاِرْتِقَاءِ بِأَنْفُسِنَا وَ تَجَاوُزِ كُلِّ مَا يَجْعَلُنَا نَتَعَثَّرُ فِي دَرْبِ الحَيَاةِ.


المانيا في ٢٢ تموز ٢٤ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حياد الروح بعد العاصفة _بقلم الأديب اليمني نجم الدين الرفاعي

حياد الروح بعد العاصفة الفقد ليس اختفاء أحدهم من مسرح الحياة… بل اختفاءك أنت من ذاتك بعده، دون أن تشعر. أن تستيقظ كل صباح في جسدك، لكنك لا ت...