حكمة جدتي:
جلست كعادتها كل صباح في شرفتها تراقب حركة المارة والسيارات التي لا تنقطع ،أشاحت نظرها إلى السماء تنهدت بعمق وكأنها تتحسر على شيء ضائع ،قبل أن تبدأ في سرد قصتها التي حفظتها عن ضهر قلب ،قالت: أتدري ما الذي يحز في نفسي أكثر؟
أجبت :يحز في نفسك ويحزنك أكثر جدتي أن أحلامك كانت بحجم السماء لكنك تخليت عنها باكرا.
ردت :لا ليس تماما ،بل يحز في نفسي أنني لم أكن ألح على شيء أبدا ..كنت كمن يشاهد شريطا سنيمائيا، أو مباراة كرة قدم لا تعنيه ،لم أكن أتشبث بشيء ،لم أكن أستوعب أننا سنعيش مرة واحدة فقط، وأن العمر قصير جدا ...لا أدري ربما كنت انتظر أن يتغير الزمن أو أن تحدث معجزة مثلا، فتصبح الأحلام حبات تفاح ناضجة متدلية من شجرة كبيرة يسهل قطفها ،لكن شيئا من هذا لم يحدث ،فوجدتني أقود سفينتي كما أرات الرياح .
مسكينة جدتي رغم أنني مللت حديثها وقصصها إلا أنها في كل مرة كانت تضيف شيئا جديدا يجعل حديثها مشوقا يدفعني إلى الإنصات إليه باهتمام باحثا عن حكمة جديدة، ودرس جديد.
سألتها مازحا : ماذا لو تشبتي بأحلامك وكنت أكثر إصرارا هل كنت ستصبحين عالمة ذرة مثلا الآن ؟
اجابتني بكل هدوء: هل تظن أن عالمة ذرة ،أو رائدة فضاء أو طبيبة جراحة هي أقصى الأحلام والأمنيات ؟لا يا صغيري ، بل أقصى الأمنيات هي أن تكون أنت نفسك ،ألا تكون نسخة من أحد ، وألا تشبه أحد . أن تكون نفسك هي أن تخرج كل طاقاتك وإبداعاتك إلى الوجود كي تطورها وتكتشفها أكثر وألا تجعلها حبيسة ذاتك...
قاطعتها قائلا :لأن ابداعاتنا وطاقاتنا تموت داخلنا سريعا جدتي ،أجابتني :بالعكس يا صغيري، الإبداع، والطاقة، والأمنيات لا تموت أبدا، بل يدفنها تراب الزمن في أعماقنا لتنبت مكانها أشواك الندم تؤنبك كلما اختليت بنفسك، لتذكرك أن هناك إنسان رائع كان بداخلك فدفنته باستسلامك وبخوفك وبعدم اصرارك .
قلت: ماهي حكمتنا اليوم إذن جدتي.
قالت : كن أنت نفسك، حتى لو اضطررت لمحاربة العالم، فحينما تثمر أشجارك سيقصدك الجميع وفي أياديهم سلالا فارغة.
عائشة خشابة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق