/غيمة بلقيس البيضاء/
_ كتب: وليد.ع.العايش
هواء بارد يلفح الوجوه الشاحبة بينما الشمس تعجز عن بث الدفء في شرايين كادت أن تعلن توقفها عن الجريان إلى أفق أجساد منهكة .
لا شيء يجعلك تشعر بأكثر من القلق وربما الرعب ؛ فالغموض سيد الساحة ؛ وأصحاب الثياب البيضاء على وشك أن ينسحبوا من المعركة إيذانا بإعلان الاستسلام .
التقفت بلقيس الصغيرة بين يدي ؛ لم يكن القلب يعمل كما يجب عليه وكأنه انحاز إلى النهر الجاف الذي يجاور بيتنا هناك على تخوم دمشق ؛ حتى أنفاسي كانت متقطعة متلاحقة تكاد أن تلفظ أنفاسها الأخيرة .
كل الوجوه تشي بشيء ما ؛ قرأت ذلك على جدار الغرفة ثم عدت إلى الصغيرة مرة أخرى ؛ شعرها الأسود الطويل رغم أيامها القليلة يكفي كي أداعبه بشراهة ؛ ابتسمت خلسة ( هذا هو شعري قبل عشرين عاما خلت) .
الأنين يمتزج بالكثير من التوسلات ( من قال بأن الصغار لا يتألمون !!! ) ؛ عيناها السودوان تتشبثان بعيني رغما عني ؛ فتجبرني على الانصياع لأوامرها ؛ بل إنها تجعلك تفكر ألف ألف مرة بما عليك أن تفعل ؛ تتحرك الأفكار المتجمدة فجأة ؛ فمن يستطيع أن يقف بوجه توسلات الصغار !!! .
لم تكن الدموع تفي بالتزاماتها رغم سقوطها المفاجئ على وجه بلقيس الصغيرة ؛ دنوت منها أكثر حتى التصقنا ؛ ماكان يسمع عن بعد سنتيمترات أصبح مختلفا تماما ؛ فالآن تسمع بوضوح الأنين الداخلي ؛ الألم الذي لا يمكن أن تقدر كميته عن بعد ؛ التوسل يتجاوز حدود السماء ليصل إلى الله مرة واحدة .
فجأة تنفتح النافذة بلا استئذان ؛ اخضرار الأشجار في الحديقة المجاورة يبدو أكثر شحوبا هو الآخر ؛ لكنه يحاول مد يد العون لبث المزيد من الأمل والقوة في أرواح على وشك المغادرة النهائية ؛ نسمات المساء تؤازر الشرايين التي تعاند الجليد ؛ مازالت الأنفاس متوحدة في لحظات حرجة .
غيمة بيضاء تظهر عبر الأفق ؛ لكنها لن تمطر بكل تأكيد ؛ فالغيم الأبيض يأتي زائرا في معظم الأحيان ؛ حدثتها بصمت ؛ فابتسمت هي الأخرى ؛ (يا إلهي كيف للغيوم أن تبتسم كالبشر) .
بعد أن وضعت بلقيس على السرير همست في أذنها: ( لن تغادري أيتها الصغيرة ... لن تغادري أليس كذلك ... فنحن بحاجة لك ... لم يحن وقت الرثاء بعد ) ...
لعلها سمعتني آنذاك فأغمضت عينيها السوداوين ثم مضت لنوم عميق بعد أن أعطتني الألم كي أحمله عنها ولو لوقت قصير .
وليد.ع.العايش
٢١ / ١٠ / ٢٠٢٢ م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق