الخميس، 4 ديسمبر 2025

حياد الروح بعد العاصفة _بقلم الأديب اليمني نجم الدين الرفاعي


حياد الروح بعد العاصفة


الفقد ليس اختفاء أحدهم من مسرح الحياة…

بل اختفاءك أنت من ذاتك بعده، دون أن تشعر.

أن تستيقظ كل صباح في جسدك،

لكنك لا تعود تسكنه كما كنت.

أن ترى يديك تمتدان للأشياء،

لكن دون رغبة، دون انتماء، دون شعور بالحاجة أو الاكتمال.

كأنك آلةٌ تواصل العمل بذاكرة قديمة،

بينما الروح… في إجازة مفتوحة من العالم.

الفقد الحقيقي لا يُعلن عن نفسه بصراخٍ أو بكاء،

بل يأتي بصمتٍ بارد،

يحفر داخلك هوةً صغيرة في البدء،

ثم يتوسّع بهدوء…

حتى يصير وادياً من اللامبالاة،

تسقط فيه المعاني، واحداً تلو الآخر،

ولا تسمع لها صوت ارتطام.

يقولون إن الزمن يشفي…

لكن الحقيقة؟

الزمن لا يُشفي،

الزمن يُعيد ترتيب الألم على الرفوف،

ويعلّمه كيف يصمت حين يُطلب منه الكلام.

ومع كل عامٍ يمضي،

تتعلم أن تتنفس برئةٍ واحدة،

أن تحيا بنصف قلب،

وأن تكتب رسائلك إلى الله لا لتطلب،

بل فقط لتقول: أنا ما زلت هنا… لكني لا أعرف لماذا.

في لحظة الفقد، تسقط فكرة "الآخر" من قاموسك،

ويبدأ سؤال "من أنا؟" في الدوران حولك ككوكبٍ صغير فقد مركز جاذبيته.

تفهم فجأةً أن من تحبهم ليسوا مجرد أناس مرّوا بك،

بل هم مراياك الداخلية…

بغيابهم لا تنكسر، بل تكفّ عن رؤيتك.

الفقد لا يأخذ منّا أحدًا،

هو يُعيدنا إلينا… لكن بشكلٍ مغاير،

بصورةٍ مهزومة،

أو متصالحة،

أو غريبة…

لكنها دومًا صورة لا نعرف كيف نتعامل معها.

ربما لذلك، لا يشفى الفاقد،

لأنه لا يبحث عمّن ذهب،

بل عمّن بقي…

عن نفسه التي تاهت بين العاصفة والهدوء،

بين الضجيج الذي كان يعني كل شيء،

والصمت الذي لم يعد يعني شيئًا.

بقلم :

نجم الدين الرفاعي 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حياد الروح بعد العاصفة _بقلم الأديب اليمني نجم الدين الرفاعي

حياد الروح بعد العاصفة الفقد ليس اختفاء أحدهم من مسرح الحياة… بل اختفاءك أنت من ذاتك بعده، دون أن تشعر. أن تستيقظ كل صباح في جسدك، لكنك لا ت...