الجمعة، 13 سبتمبر 2024

في حضرة الموت _بقلم الشاعر السوري /فؤاد زاديكى

في حَضْرَةِ المَوْتِ


بقلم فُؤَاد زَادِيكِى


وَ أَنْتَ بِالمُشْفَى، تَحِسُّ بِحَقِيقَةِ الحَيَاةِ المُرَّةِ، خَاصَّةً إِذَا كَانَتْ إِقَامَتُكَ فِيهِ بِقَصْدِ المُعَالَجَةِ، مِنْ مَرَضٍ مُزْمِنٍ أَوْ عَسِيرٍ، أَوْ لِإِجْرَاءِ عَمَلٍ جِرَاحِيٍّ لَسْتَ مُتَأَكِّدًا مِنْ نَتَائِجِهِ. إِنَّ هَذَا يَخْلُقُ لَدَيْكَ حَالَةً مِنَ الانْتِظَارِ وَ التَّوَجُّسِ، وَ قَدْ يَتَخَلَّلُ ذَلِكَ بَعْضُ الشُّعُورِ بِالْقَلَقِ، مَهْمَا زَارَكَ الأَهْلُ وَ الأَصْدِقَاءُ وَ المَعَارِفُ لِلاطِّمِئْنَانِ، وَ لِبَعْثِ رُوحِ التَّفَاؤُلِ وَ الأَمَلِ وَ بَوَاعِثِ التَّشْجِيعِ، وَ هُمْ رَاغِبُونَ بِالاطِّمِئْنَانِ عَنْ صِحَّتِكَ وَ وَضْعِكَ، وَ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرْبِطَ فِي حَالِ هَذَا الشُّعُورِ بَيْنَ وَضْعَيْنِ، الأَوَّلُ أَنْ تَكُونَ فِي المَقْبَرَةِ لِزِيَارَةِ قَبْرِ قَرِيبٍ أَوْ حَبِيبٍ، أَوْ لِلْقِيَامِ بِوَاجِبِ دَفْنِ أَحَدِ الأَعِزَّاءِ عَلَى قَلْبِكَ، يَكُونُ ارْتَاحَ مِنْ عِبْءِ هَذِهِ الحَيَاةِ وَ مَتَاعِبِهَا، لِيَتْرُكَ العَذَابَ وَ المُعَانَاةَ لِمَنْ مَا يَزَالُ عَلَى قَيْدِ هَذِهِ الحَيَاةِ الفَانِيَةِ. أَمَّا الثَّانِي فَهُوَ المُشْفَى، كَمَا أَسْلَفْتُ قَبْلَ قَلِيلٍ، فَأَنْتَ فِي أَحَدِ هَذَيْنِ الوَضْعَيْنِ، لا تَكُونُ مَحْسُودًا عَلَى مَا أَنْتَ فِيهِ، وَ عَلَيْهِ، إِنَّكَ تَشْعُرُ بِصِلَةٍ أَقْرَبَ إِلَى الرَّبِّ، بِحَيْثُ تَتَفَاعَلُ مَشَاعِرُكَ وَ تَتَنَوَّعُ، لِتَكُونَ مَزِيجًا مِنَ التَّنَاقُضَاتِ، وَ الَّتِي يَظْهَرُ فِيهَا جَلِيًّا الشَّكُّ وَ اليَقِينُ مَعًا، وَ هُمَا يَتَفَاعَلانِ مُتَبَادِلِينَ الأَدْوَارَ أَحَدُهُمَا عَنِ الآخَرِ،  عِنْدَمَا تَكُونُ لِأَحَدِهِمَا الغَلَبَةُ عَلَى الثَّانِي، وَ قَدْ يَسِيرَانِ سَوِيَّةً جَنْبًا إِلَى جَنْبٍ، فِي كِلَا الحَالَيْنِ هُمَا يَسْتَوْلِيَانِ عَلَى تَفْكِيرِ الإِنْسَانِ وَ أَحَاسِيسِهِ. هَذَانِ المَكَانَانِ يُجْعِلَانِكَ أَكْثَرَ قُرْبًا مِنْ رَبِّ السَّمَاءِ، وَ يَغْلِبُ هَذَا التَّأْثِيرُ عَلَى حَالِ تَوَاجُدِكَ فِي دَارِ عِبَادَةٍ، مِنْ حَيْثُ شُعُورِكَ بِالقُرْبِ مِنْ إِلَهِكَ. فَهُمَا مَكَانَانِ لا خِدَاعَ وَ لا غِشَّ فِيهِمَا، لِأَنَّهُمَا يُجْعِلَانِكَ فِي تَمَاسٍ مُبَاشِرٍ مَعَ مَصِيرِكَ كَإِنْسَانٍ فِي هَذِهِ الحَيَاةِ. فِيهِمَا يَشُدُّكَ شُعُورٌ غَرِيبٌ، يَصْعُبُ عَلَيْكَ تَفْسِيرُهُ أَوْ فَهْمُهُ، لَكِنَّ وَقْعَهُ يَكُونُ مَصْحُوبًا بِشُعُورِ الرَّهْبَةِ، لِأَنَّكَ فِي حَضْرَةِ المَوْتِ.


فِي ١٢ أَيْلُول ٢٤ مُشْفَى Asklepios فِي مَدِينَةِ كَانْدَل

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

في التطريب عصافير تعزف سيمفونية العجب _ بقلم الشاعرة السودانية / أبية الروح

 في التطريب: عصافير تعزف سمفونية العجب! في سحر الصباح، زقزوق الأوتار تتراقص الأطيار، تهتف في الأشرار تتبدل الألوان، في دوائر الشوق تسري في ا...