أي رداء ترتديه الانتهازية
---------------------------
ان كنا نعجب فالعجب كله لهذه الرؤية المتغيرة التغير السريع بين ليلة وضحاها، بالأمس كانت تدافع عن السلطة القائمة الدفاع المستميت ، ترى في مساوئها محاسن وفي أخطائها صوابا، واليوم وقد باتت هذه السلطة على وشك السقوط راحت تتحمس في الهجوم عليها كأنما هي معها ألد الخصوم .
عجبا لهذه القدرة على التلون الذي زادت حدته على تلون الحرباء ، كيف يمكن للمرء أن ينقلب هذا الانقلاب السريع ازاء حدث من الأحداث مهما كان نوعه وشكله ؟
أليست هي الانتهازية في أعلى مراحلها ؟
أين هي الرؤية السليمة التي ترى بمنظار العقل دون انفعال أو تحيز ؟
ان الأمر برمته سيكون رهانا على منفعة ذاتية أو تحقيق هدف لا يخلو من اثرة .
ولعلنا ندرك تماما أن حياتنا لا تخلو من أخطاء ، وحينما نواجه الأخطاء لتصحيحها فهي اشارة للسير على النهج الصحيح ، غير أننا اذا أغفلنا النظرة الموضوعية في تقييم الأمر فمعنى ذلك أن الأخطاء ستكبر وأن مرتكبيها لا يترددون في تكرارها دون الشعور بالاثم أو الخوف من العقاب .
ومع ذلك فان الداء الذي يفزعنا ويرعبنا هو هذه الانتهازية المقيتة التي تترصد الفرص في احتواء الكثير من المعضلات لمنفعتها هي وحدها ضاربة عرض الحائط ما يتعرض له المجتمع من أضرار ومخاطر .
ان أكثر ما نخشاه في حياتنا هي هذه المواقف التي يقف فيها الانتهازيون في الأيام الصعبة والحرجة ، اذ يفضحهم سلوكهم فيما يفعلون ، ذلك أنهم لا يترددون في الوقوف مع الأعداء ضد سلامة وطنهم ما دامت لهم منافع ذاتية ومطامع ليست لها حدود .
وأبشع ما في الصورة أنه اذا جاء حاكم جديد واعتلى كرسي السلطة تراهم يتسابقون للمثول بين يديه ويمتدحونه المدح الذي يعلو مقامه حتى قبل أن يعرفوا سيرته وقبل أن يقوم بمهام أعماله ، ثم أنهم بعد ذلك ينتقصون من سيرة الحاكم الذي انتهى عهده بسبب من الأسباب ويتمادون في ذمه بعد أن كانوا يتملقون له من قبل .
ليس هذا فحسب فالانتهازي يطعنك من الخلف الطعنة القاتلة التي لم تحسب حسابها ،وهو يركض وراءك في غناك فاذا انقلب الدهر عليك انقلب هو أيضا معه ليتركك تئن من الجراح دون أن يلتفت اليك .
أرأيت موقفا أشد أذى من موقف كهذا ؟ ولكن الانتهازي لا يبالي بما تقول عنه ، ذلك أنه فقد الاحساس بقيم الوفاء والنبل والمروءة ولم يحمل معه سوى الغدر والنذالة .
انه أشبه بالطفيلي الذي يتصيد الفريسة ليبث فيها سمه ثم ليمتص دمها ، هذا هو حاله في كل أزمة وفي كل معضلة ، يتوارى في الظل أحيانا ثم يفاجئنا ليشغل حيزا ومساحة أكبر من حجمه يريد أن يلعب لعبته المقيتة دون حياء .. فلما كشفت صورته أمام الملأ سقط السقطة المخزية .
يتميز الانتهازي بقدرته البارعة على التغيير حتى في أصعب المواقف ، يراوغ ويرائي ويبتسم ابتسامته الصفراء المعهودة ، انه مع الريح حيث تميل يميل ، كلامه معسول لكنه يحمل السم الزعاف في أعماقه .
أما الرداء الذي يرتديه الانتهازي فيتسع لكل الأحجام وينسجم مع كل الألوان ، رداء غريب يتغير بين حين وحين مع الأصدقاء والأعداء معا .
يكون الى جانبك في النعيم ويهرب منك في الشدائد ، يلوذ بك وقت العافية ويفر منك ساعات السقم ، تراه اليوم صديقك وفي الغد يكون صديق عدوك ، له القدرة الكبيرة على هذا التغيير والتحول من صورة الى صورة .ش
انه باختصار يقتات من استبداد الحكام المفسدين ومن ضحايا الأبرياء المساكين ،غير أنه يلوذ بالفرار آخر الأمر كلما ضاقت به السبل منبوذا محتقرا من الناس أجمعين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق