الاثنين، 7 أبريل 2025

الحق الصامت _بقلم الكاتب / هيثم مراد


 الحقّ الصامت

في قريةٍ بعيدة، كان يعيش رجلٌ صالح يُدعى شرف الدين، طيب القلب، يخاف الله، ويحب الخير لكل الناس. ورث عن والده قطعة أرض، عاش عليها يزرع القمح والشعير والعدس، لكن رغم جهده وتعبه، كان رزقه شحيحًا، لا يكاد يسدّ الرمق.

كان شرف الدين يسير بين الزرع كل صباح، فينظر بأسى إلى سنابل الأرض التي انحنت كأنها تحمل خجلًا في رؤوسها، والعشب الذابل الذي لا يعرف حياة. بينما أراضي جيرانه كانت تموج بالخيرات، تعجّ بالماء والسنابل الممتلئة، والطيور تغرد فوقها كأنها تحتفل بموسم وفير.


راح يتساءل: “ما الذي فعلته؟ أأرضي ملعونة؟ أجهلي في الزراعة؟” سأل الفلاحين، استشار الشيوخ، بحث في الكتب، لكنه لم يجد جوابًا يُسكّن قلبه. ذات ليلة، جلس تحت شجرةٍ عجوز، وحده، ورفع يديه إلى السماء بقلبٍ منكسر، وقال: “يارب، إن كنت تعلم أني مظلوم فأنصفني، وإن كنت أنا الظالم فاهدني… أتمنى أمنية واحدة، أن أستطيع الحديث مع ديدان الأرض، علّي أفهم سرّها.”

ولأن الله لا يردّ قلبًا صادقًا، تحققت أمنيته. وبينما كان يقلّب التربة في اليوم التالي، سمع صوتًا صغيرًا، ضعيفًا لكنه واضح:

“شرف الدين… نحن هنا!”


تجمّد في مكانه، وقلبه يخفق بقوة. نعم، لقد سمع ديدان الأرض! سألها برهبة:

“ما بال أرضي؟ لماذا لا تثمر كغيرها؟”

أجابته إحداها بحزن:

“الأرض لا تُطعم من ظلمها. هذه الأرض ليست لك وحدك. أبوك استولى عليها، ولم يعطِ أخواته البنات نصيبهن من الميراث. فدعت واحدةٌ منهن دعوة خرجت من قلبٍ مكسور: اللهم لا تبارك لهم فيما حرموه. فاستجابت الأرض، وأغلقت بركاتها.”

وقف شرف الدين مذهولاً، شعر كأن الأرض نفسها تصرخ في وجهه، تطالبه بردّ الأمانة.

في اليوم التالي، جمع عمّاته، واعتذر لهن، ثم قسّم الأرض كما أمر الله، وأشهد القاضي والناس على ذلك. وما إن فعل، حتى حدث ما يشبه المعجزة. بدأت السنابل تنتصب، نبت الزرع بفرح، تدفقت المياه من العيون القديمة، وعادت الطيور إلى أرضه. عامٌ واحد فقط، فامتلأت مخازنه، وبارك الله في رزقه حتى أصبح من الأثرياء.

لكن شرف الدين لم ينسَ الدرس أبدًا. علّق لوحة على باب بيته كتب عليها:

“الحق لا يموت… قد يصمت، لكنه لا يرضى أن يُدفن.”

بقلم : هيثم مراد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حكاية في زمن التيه _بقلم الشاعر / محمد لعيبي الكعبي

حكاية في زمن التيه **************** ياهدهد٠٠ أما علمت  حين كشر الدهر عن أنيابه ومضى بي لأرض بعيدة  لم تطأها الأقدام٠٠لم تدركها العيون آه٠٠آه...