الأحد، 17 مارس 2024

بقلم الأديب /محمد ديبو حبو


 خرج أبو محمد من منزل صديقه مكسور الخاطر لعدم موافقته على منحه مبلغاً من المال ليساعده على قضاء حوائجه التي تزداد يوماً بعد يوم نتيجة طمع أغلبية التجار في شهر رمضان المبارك. برفع أسعار المواد بشكل جنوني 

استقبلته زوجته عند مدخل المنزل قائلة 

أراك عدت خالي الوفاض أين باقي مستلزمات الطعام التي طلبتها منك ؟

نظر إليها أبو محمد ثم قال  ارسلي في طلب ابني، محمد أريد أن أتحدث معه قليلاً. 

أرسلت أم محمد ابنها محمد لغرفة والده

عندما اقترب محمد من باب غرفة والده سمع صوت والده وهو يبكي

يدعو الله سبحانه وتعالى بالفرج القريب.

استأذن محمد بالدخول فرد عليه والده تفضل يا بني 

نعم يا أبي لقد طلبتني وأنا طوع أمرك

طلب أبو محمد من ابنه الذهاب إلى صاحب محل الخضرة في نهاية شارع المنزل ليحضر من عنده مستلزمات الطعام وأن يقيده على الحساب ذهب محمد إلى صاحب محل الخضرة طالباً منه بعض المسلتزمات وأن يقيدها على الحساب فرفض صاحب المحل إعطائه

أي شيء مطالباً إياه بدفع مستحقاتهم المرتبة عليهم منذ شهر....

عاد محمد إلى المنزل وقد علم سبب حالة والده وبكائه فقرر أن يعمل بدون علم والديه لكي يستطيع مساعدة والده والتخفيف عنه

أبلغ محمد والده رفض صاحب محل الخضرة إعطائه أي شيء قبل دفع المستحقات المترتبة عليهم...  التزم أبو محمد الصمت طالباً من ابنه محمد مغادرة الغرفة وبقائه وحيداً. 

خرج محمد من غرفة والده والحزن يكاد يفتك بجسده المنهك أصلا من شدة الجوع.. في تلك الليلة الحزينة لم يستطع محمد النوم بسبب التوتر والإرهاق قرر الذهاب إلى المنطقة الصناعية عند الصباح لعله يجد

عملاً يساعد والده في تأمين الحد الأدنى من متطلبات الحياة...

كان اغلب ردود أصحاب المهن بأنه صغير ولا مكان له لديهم

إلا رجلٌ كبيرٌ بالعمر سأل محمد لماذا يا بني تريد أن تعمل رغم صغر سنك ؟

أجاب محمد أريد أن أساعد والدي في أعباء البيت

ابتسم الرجل وقال اطمن

 يا بني سوف أقبل أن تعمل لدي ولكن بشرط

محمد أوافق ...

الرجل شرطي هو أن تذهب معي للصلاة في المسجد

وإن تخلفت عن أداء فريضة فلن أقبل في متابعتك معي بالعمل

محمد أوافق طبعا. 

بالفعل واظب محمد في أداء الصلاة في المسجد وكذلك في متابعته 

للعمل بجد ونشاط شعر محمد حينها براحة واطمئنان وسعادة لم يشعر بها من قبل وفي يوم تخلف صاحب العمل عن الحضور إلا أن محمد 

تابع آداء فريضة الصلاة في المسجد ولم يتخلف عنها ليس فقط 

تلبية لشرط صاحب العمل وإنما لشعوره بأن حياته قد تغيرت بشكل عام 

هكذا قال محمد لزميله في العمل في اليوم التالي حضر صاحب العمل 

تعجب محمد عن عدم سؤاله عن آدائه لفريضة الصلاة بالأمس. 

وبعد عدة ساعات نادى صاحب العمل محمد قائلاً

أهنئك من كل قلبي فقد زادك الله إيمانا وتقوى فقد رأيت في الحلم 

بأنك ستصبح ذات يوم ذو شأن عظيم وعليه فقد وجه لي رسالة بأن تلتحق بإحدى المدراس الدينية فما هو رايك محمد والسعادة 

تغمر قلبه بالطبع أوافق..

ثم ذهبا معا ليتم تسجيله في إحدى المدارس الدينية وبعد أن انتهى 

من التسجيل قال له صاحب العمل خذ هذه الظرف مني ولكن

لا تفتحه وسلمه لوالدك. 

محمد بالطبع سافعل فهذه أمانة ولا يمكن الاطلاع على محتواه 

ذهب محمد لوالده والفرحة والسعادة تملأ وجهه. 

دخل محمد البيت فألقى التحية على الجميع 

ابو محمد 

أراك مبتسماً اليوم يا محمد 

محمد 

والدي أعطاني صاحب العمل ظرفا لأعطيك إياه وطلب مني عدم فتحه 

أبو محمد وهل نفذت ما طلب منك يا بني 

محمد بالطبع يا والدي فهذه أمانة ويجب علي الالتزام والوفاء بتنفيذها 

استلم ابو محمد الظرف من ابنه محمد ثم 

دخل غرفته بعد لحظات خرج ابو محمد من غرفته 

قائلا الحمد لله الذي منحني من ذريتي ولداً صالحاً

أ تعلم يا محمد مافي داخل الظرف ؟

محمد بالطبع لا يا أبي فلم افتحه بناءً على طلب صاحب العمل 

ابومحمد : لقد تكفل صاحب العمل بالإنفاق على  دراستك في المدرسة 

بالإضافة إلى الإنفاق على  البيت لحين الانتهاء من دراستك 

وقد طلب مني بأن أبلغك بعدم الذهاب إلى مقر العمل اعتبارا 

من الغد والتفرغ لدراستك فقط 

محمد بعد سماعه هذا الكلام لم يتمالك نفسه فبكى 

نظر أليه والده قائلا لماذا تبكي يا بني يجب أن تكون سعيدا 

لا ان تبكي محمد لوالده هذه دموع الفرح ياوالدي الحمد الله الذي 

وهبني رجلا طيبا اللهم بارك له في ماله ورزقه وارفع عنه الهم والغم والداء والوباء وجازيه بالخير واليمن والبركات 

في صباح اليوم التالي دق باب بيت ابو محمد 

ابو محمد يا ترى من يأتنا بساعة مبكرة عسى أن يكون خيرا 

فتح أبو محمد الباب وإذ برجل مسن 

أبو محمد أهلا وسهلا بك أخي الكريم هل من خدمة استطيع 

أن اوديها لك 

الرجل المسن هل استطيع الدخول ؟

ابو محمد آه عذرا تفضل تفضل 

الرجل المسن اريد ان اتحدث معك بشأن ابنك محمد 

انا صاحب العمل 

فقد تلقيت إشارة بالأمس من ابنك محمد كأنها رسالة 

لي ولا أخفيك فانا رجل مريض وايامي أصبحت معدودة ..

هكذا قال لي الطبيب المعالج لكن ما حدث معي اليوم معجزة حقيقية 

عندما ذهبت إلى المشفى لتلقي العلاج طلب مني الطبيب إجراء 

بعض الفحوصات الضرورية لتشيخ مرحلة العلاج ومدى استجابته 

بعد ظهور نتائج التحليل لم يصدق الطبيب ما حدث 

ثم جاء إلي مبشرا أيها الرجل الطيب لقد منحك الله حياة جديدة 

فقد اختفى الداء من جسدك تماما.. 

عندما تلقيت هذا النبأ شعرت بإحساس عظيم وفرحة عامرة 

شكرت الله سبحانه وتعالى علمت بأن فحوى رسالة محمد لي بالأمس 

هي كانت  دعوة صادقة من ملاك طاهر لي وقد حققها الله له ..فنعم الوالد ونعم الوالد. 

لذا قررت وهذا القرار سيبقى سر بيننا لحين بلوغ محمد تخرجه  

من الأكاديمية العليا للدراسات الدينية بمنح محمد نصف ثروتي 

فلم يرزقني الله ولدا وها هو قد رزقني بشاب طيب ووسيم وخلوق فيه كل الصفات الحميدة وقد طلب مني الاهتمام به ورعايته

ابو محمد 

لا توجد أي كلمات أعبر فيها عن مدى شكري وتقديري واحترامي لشخصك الرائع 

صاحب العمل 

لا داعي للشكر يكفي ما فعله أبنك معي بفضل الله سبحانه وتعالي 

وفضله عت للحياة من جديد.. 

خرج صاحب العمل 

من منزل ابو محمد وعند الباب وقف قائلا 

ارجو ان تكون زيارتي لك سر بيننا غير معلنة 

اريد منك خدمة قبل رحيلي 

أبو محمد تفضل بإذن الله مجابة 

صاحب العمل 

اريد في كل يوم وقبل أن ينام محمد 

بأن تقبله نيابة عني اعذرني فقد أصبح محمد 

كل حياتي.. أبو محمد والدموع بدأت تتساقط على خديه بكثافة أخي الكريم 

اتمنى أن تقبل مني بأن يكون لولدي محمد أب ثاني 

يناديك بأبي لأنك بالفعل أب عظيم 

صاحب العمل 

أشكرك من قلبي وانا أتشرف بهذا الحسب والنسب 

ثم انصرف صاحب العمل 

بعد مرور عدة سنوات تخرج محمد من الأكاديمية ونال المركز الأول 

تم تعينه امام أكبر مسجد في المدينة 

في أول خطبة له ذكر فيها 

قصته مع صاحب العمل معلنا امام الجميع 

بفضله وكرمه ونبل اخلاقه متمنيا للجميع 

بأن يمتثلوا سلوك هذا الرجل العظيم ثم نزل من المنبر متجها 

نحو هذا الرجل المبارك قبل يديه امام الجميع 

ثم قال نعم الوالد أنت يا أبي علمتني كل ما هو جميل في هذه الحياة 

علمتني فعل الخير والتعاون والوفاء والاخلاص والمحبة للجميع 

بكى صاحب العمل ثم قال 

انت يا بني من علمني بأن الحياة ليست مجرد لجني المال 

إنما هي أعظم واسمى من ذلك بكثير 

بالعلم النافع والعمل الصالح نبني أعظم واقوى حضارة 

تدرس في جميع الجامعات وتكون مدرسة يحتذى بها العالم اجمع.

الأديب محمد ديبو حبو

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

زحام _بقلم الشاعر المصري /ناصر أبو النضر المحامي

 زحام... الصورة مليئة بملئ الأيام نساء ورجال وشيوخ وشباب حضور والباقي في غياب أرواح متعبةوالقلوب تتقلب  تمسي في عذاب وتصبح في تباب ولكل شيء ...