عندما يباغتكَ قطار العمر بالوصول إلى أقصى محطّة ، تأهّبا للنُزول و تهيُّبا للمُنتهى .. ، ستدرك يومها كيف يرتجّ كيانُك و تتبعثر أنفاسك فلا تستطيع أن تُلملم أشتات نفسك
و شوارد ذهنك لتقول للعمر الّذي مرّ بك كلمة واحدة تحتجّ بها على عجلته وسرعة انقضائه فتلوذَ حينها بمقارع الصّمت و تنكفئ على نفسك و تختفي ..
من صمتي هذا ، و على وقع خريف العمر المارد و الموسم الجاحد و باسم الإحالة على شرف المهنة و التوغّل في زمن العُقم و التّقاعد ، انتظمت مفردات عِقد هذا الكلام حتّى اِلْتأم على لساني نضيدةً و اشتعل بين يديّ قصيدةً عَنْونْتُها هكذا :
🥀🥀 وَجَبَتْ الهُدْنة 🥀🥀
أُجذِّف قوارب الذّكرى
في الأزمنة العِذاب
فتَجرفُني سواكبُ الحسرة ،
كيف مَرّ العمرُ مثل السّراب
🌿
هنا ..
خلف الغِمار .. !
كلماتُ العزاء لا تُواسي ،
خرقاء ، مثقوبة المعاني
لا تُرتِّق جُرح العناء و العذاب
و الحزن و المآسي
🌿
الآن ، بلا أفق
أضحى البقاء
بلا مدى ..
هذا الفضاء
عبث أن نتوسّل الخلود
فاللّياذ في الغياب و التّناسي
🌿
ذَرني أيّها العمر
إغماءةً في تاريخ البشر الآفن
دعني أيّها الصّبر
إغفاءةً خارجَ الوقت الآسن
لا أحد يوقظني
فالوعي يُفجّر نهر الدّمع
والصّحوة تُثير إحساسي
🌿
بهيّةُ الحُسن أنتِ ،
يا دنيا أحببتُها ..
يا طلعةَ البهاء سَوَّيتُها ..
يا صَهوة السّنين امتطيتُها
لكنّها
عنيدةٌ دروبي إليكِ ..
وئيدةٌ بيننا مسافة التّداني
و خرساءُ فيكِ
مآذني و أجراسي
🌿
كم صال زمني فيك
يَجِدُّ في الرَّكض و لا يُبالي
و في كاهلي
صهيل أوتاري بين جُلاّسي
و سَيْل حبري و صرير قلمي
زاحفا فوق قرطاسي ..
🌿
ضَنينة بالصّبر خُطى الدّهر ،
لا تتريّث ..
أَ إثنان و ستّون إسفينا
صارت أوَانًا أوانًا في أساسي ؟!
🌿
حتما ، سأرحل
و الطّين في التّلاشي
و تظلّ تراود النّفسَ
فيروزاتُ أحلامي
تتأرجح فوقي
مثل النُّوَاسِ
🌿
وحدَها الوشائج
تُكابد المُحالَ
فكم تعاني الرّوحُ ..؟ !
و كم تُقاسي ؟!
🌿
عفوا ، يا كتلةَ الأعوام
حسْبكِ ، يا غَمرةَ الأيّام
لن أبوح بشيء
هنا ينتهي النّواح ..
و الدّمع المباح
سأبتلع لساني
و أحتسي خمرة صمتي ،
و ضَبْحُ العاديات بأنفاسي
🌿
و ستظلّ تكتنفها العَتَمة
أوجاعي
لكنّها حاسمةٌ في الظّلام
خلف بَابِي و مِتراسي
🌿
الآن فقط ،
في تجاويف اللّيل الأخير ،
أدركتُ أنّ العُمْر
هَباءة في غَيْم الضّباب
وأن الحُلم لا يفارقني
لم يزل نفْسُه مُتْرَعٌ به كَاسي
🌿
و أنّ الأماني رُتَيلاء
نسيجُ خَيْطِها بأحلاسي
و أني رهينُ القلبِ عِشْتُ
و أسيرُ أحبابي و ناسي
و سجين كتابي و كرّاسي
هنا
في غربة المُهَج ،
و أنا ناءٍ في اعتزالي
يَشطِرُني ضجيجُ الوحدة ،
فنِصفي أشواقٌ ،
و سَكرةٌ في ظَهر الأماني
و الباقي ، أمل
ينبت بعد الموت في أحداسي ..
كل المرافئ تاهت الآن عنّي ..
و المواني ...
فلا أفياءَ ولا مَراسي
🌿
فأين المُغيث ؟
و أين المنجد؟
شيء في الأفق يترصّد
أمرٌ ما ،
يواطئ هذا التَشظّي
و كياني يتبدّد
والفراغ يتمدّد
فمن يُسعف العمر ؟
من يجرؤ على الدهر ؟
و يغمدُ سيف الغدر
لا يتردد
فيَردّ أنفاسي..؟
هل تُراني أُبعثُ
في الفصل الجدب
و الموسم الجاحد ؟
هل من جديد أُولد
في زمن العُقم و التقاعد
هيهات ثم هيهات يا أماني
أراجي يأخذها الريح
لا أحد يسمعني
أحدٌ لا يراني
فيدنو و يتودّد
كفاني ذاتي تجثو على ذاتي
صدئة مزاليجي
موصدة مصاريعي
و أقواسي
اذًا فلْيُعربدْ الصّمت فيّ
و لْتَنْتَهِ المسرحيّة ..
" أنتَ انتهيت "
- هكذا يتلوها الصّدى عليّ -
" تَفنَى
ويبقى اهتراءُ الكلام
و الحزن رُكام
و الوجع غَمام
و الألم ضِرام
ارحلْ إذًا ،
قد وَجَبتْ الهُدنة
أنتَ انتهيتْ
فعليك السّلام
و كُنْ كأطلالٍ
أو ندى زهرٍ و آسِ
و احتجب عن أعين النّاس "
🌿
........
(كتبت أكثر و أطول من هذا
وحين آلمني الصّدى ، محوته
ثم حَفَرت في أسفل الصفحة)
كلاَّ ثمّ كلاَّ
لا هُدنة مع وَاحة
تبّا لكَ مِن صدَى
سأموت مثل نخلة
لا "مُتْ قَاعِدْ"
و أعوذ بك ربّي من صداه
وَسْواسي هذا و خَنّاسي
🌿
الإمضاء✒
الأستاذ الشاذلي دمق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق